WS4. UoB - 4/6/10
تحدّيات إدارة النوعيّة
زملائي الأعزّاء،
يسرّني جدًّا أن أرحّب بكم في جامعة البلمند، في هذا المكان بالذات الذي يجمع بين جذورِ ماضٍ تشهد له عمارة مجاورة كانت من أوائل المؤسّسات التي ظلّلت تعليمًا عاليًا في هذه المنطقة منذ النصف الأوّل من القرن التاسع عشر
، وبين تطلّعات مستقبليّة تشهد لها عمارة حديثة يعي مستعملوها تمامًا أولويّة الفحوى على الشكل. شاءت الصدف أن تستيضفكم جامعة البلمند في الذكرى الثانية والعشرين لتأسيسها الحديث، فوجودكم معنا اليوم معبّر ومفرح في آنٍ: هو يعبّر عن جدّيّة الجامعة في طموحها نحو الأفضل، وهو مفرح لأنّنا نتذكّر واجباتنا مع زملاء وشركاء لنا في خدمة الوطن، فأهلاً وسهلاً بكم.
لن أخوض معكم لا في أهمّيّة هذا اللقاء ولا في تاريخ التطوّر الحاصل منذ أن أُطْلقت سيرورة هذا النهج بين بعض الجامعات العاملة في لبنان. لكن أود أن أشارككم بعض الخواطر سعيًا لوضع هذا العمل في إطار أكاديميٍّ أوسع، وفي سياق اجتماعيّ هامّ للغاية، وفي صلب النهج التربويّ الذي يشكّل ملاذنا.
من الناحية التنفيذيّة، يمكن أن تبدو عمليّة إدارة الجودة وكأنّها عمليّة داخليّة ترتبط بفريق عمل يعي أهمّيّة تطوير نوعيّة العمل التربويّ في الجامعة. هذا صحيح إلى حدّ. لكن الحقيقة أن عمليّة إدارة الجودة في الجامعة هي عمليّة أكاديميّة بامتياز ترتبط بما تصبو إليه المؤسسة من حيث دورها في تقدّم العلوم، وإنتاج المعرفة، والمساهمة في تطوير الأطر البشريّة في المجتمع. لذلك لا يقتصر همّ الفريق العامل على تنظيم عمليّة الجودة باحترام معايير داخليّة، لكن عليه أن يتطلّع إلى معايير دوليّة ومحلّية وفق رؤية الجامعة لدورها الأكاديمي، ولنموّها العلمي، ولحضورها في المجتمع وفي العالم. من هنا تتّخذ عمليّة انتقاء معايير تقييم الجودة أهمّيّة كبرى، فلهذه العمليّة بُعْد استراتيجيّ بالنسبة للمؤسّسة وليس فقط تقاني محدود الأهداف.
الناحية الثانية التي يهمّني لفت الزملاء إليها هي عمليّة ربط إدارة الجودة بالسياق الاجتماعيّ. فمؤسّساتنا تعمل في سياق اجتماعيّ معيّن ولها دور قياديّ ورياديّ في هذا السياق. لا يمكن النظر إلى إدارة الجودة في مؤسّسة تعليم عالٍ بغضّ النظر عن ماهية مُنْتَج هذه المؤسّسة. فخرّيج الجامعة هو عامل تغيير في المجتمع إذا ما أَحْسَنّا إعداده وتأهيله. من هنا ضرورة اعتماد مقاربة نقديّة لعمليّة إدارة الجودة في المؤسّسة. توجد معايير تصلح لمؤسّسات قائمة في أميركا، أو في أوروبا، أو في آسيا، لكن هذا لا يعني أنّ هذه المعايير تصلح لنا في لبنان أوّلاً، وفي محيطنا المباشر ثانيًا. زد على ذلك أنّ عمليّة اعتماد المعايير وتنفيذها بفكر نقديّ وحرّيّة مسؤولة تقوم، إذا أرادت مؤسّساتنا أن تخدم هذا الوطن بصدق وجِدِّية، على قناعات مشتركة بين مختلف المؤسّسات التي تجمعها رؤية متناغمة حول مستقبل وطننا ودوره. طبعًا، يضفي هذا الأمر على اجتماعاتكم طابعًا مميّزًا وفريدًا.
أخيرًا وليس آخرًا، أسمح لنفسي أن ألفت النظر إلى "مستقبليّة الرؤية" في إدارة عمليّة الجودة. هذا أمر دقيق للغاية في مجتمعنا الجامعي الذي يغلب على عمليّات التأهيل فيه طابعُ التلقين. مستقبل النوعيّة الجامعيّة قائم على ما ستعتمده المؤسّسات من سياسات تربويّة تعيد النظر بوسائل التعلّم، وسيروراته، ونواتجه المرتقبة. لطالما كنّا بحاجة لإعادة نظر جذريّة لدور الممارسة التربويّة في إطار الجودة، هذه الممارسة التي يخشى الطاقم التعليميّ عمومًا الخوض بها. لكن، من يتابع التطوّر الأكاديمي في العالم اليوم، يعي تمامًا أنّ هذا البُعْد سيشكّل في المستقبل القريب علامة فارقة عند خرّيجي مؤسّسات التعليم العالي، خاصّة أنّ هؤلاء الخرّيجين سيتنافسون دوليًّا، وليس فقط وطنيًّا أو محلّيًّا، في ظلّ العولمة القائمة.
أيّها الزملاء،
آمل أن تساعد هذه الخواطر في دعم جهودكم اليوم وفي مؤسّساتكم مستقبلاً لما فيه خير مستقبل التعليم العالي في لبنان. وأهلاً وسهلاً بكم مجدّدًا.